Wednesday, January 18, 2012

ما هكذا تُورَدُ الإبل يا هؤلاء

عامٌ يكاد أن يمر منذ انطلقت ثورة الرابع عشر من فبراير في البحرين وشعوب العالم تتغنى بحضارية الثورة، بينما يقف عدد ضئيل جدا من سكان الأرض موقف أعمى البصر والبصيرة. ذاع صيت اسم مملكة البحرين في أصقاع الأرض. ولكن كيف ذاع؟ أصبح من لم يسمع باسمها قَطّ يُرحِّب بزوارها ترحيبا حارا ممزوجا بالهزل والتعاطف والتشجيع. ذاع صيت مملكة البحرين فبات سكان الأرض يستقبلون زوارها بسؤالهم: أهي الدولة التي تقتل وتعتقل الأطفال والنساء والأطباء؟
 
يتحدث أحدهم عن سيطرة عددية مذهبية للشيعة على مفاصل الدولة، كوزارات التربية والتعليم والبلديات والعمل والصحة والقطاع المصرفي والمعاهد والكليات والجامعات، وفي ذات الوقت يتحدث عن صحوة المارد السني الذي كان نائما منذ بدايات القرن! أيَلزم تخطيطٌ والجمعُ نيام؟ أتحتاج الطائفةُ الشيعية للتخطيط الاستراتيجي العقدي والمذهبي في الوقت الذي الآخرون فيه نائمون وغارقون في أحلام الانضمام للجيش البحريني، وتَحَيُّن الفرصة لتقبيل الأنوف ولعق الأحذية عَلَّ وعسى تنتابهم رائحةُ دينارٍ هنا أو هناك؟ لا... مشى الواعون من أبناء هذا الوطن منذ قرون مَشْيَ الراغب في استلهام العلوم، والمتطلع الى غد مشرق، والطامح في الوصول إلى آفاق المعرفة، فكانت نتيجة حتمية وطبيعية أن يتخلف المتخلفون حتى عن بيع "الخضرة والفواكه"، ويتقدم المثقفون من مختلف الطوائف والمذاهب ليتبوأوا أعلى المناصب الوظيفية والإدارية.
 
لم يكن الشيعة محتاجين لاستراتيجية عقدية تُنَفَّذ على مدى قرن كامل. بل احتاج "النائمون" للاستيقاظ. احتاج النائمون لعدم النوم. احتاج النائمون أن يمشوا مع ركب التطور، وأن يواكبوا العالم في سيره الحثيث نحو الرقي والتقدم لا الغرق في النوم ودوامة القبلية والجهل والتبعية. لم يكن الشيعة محتاجين لاستراتيجية عقدية لأن يصبحوا أطباء ومعلمين وأساتذة ومحامين ومهندسين وعمال وتجار ومدراء. لم يحتاجوا سوى بعض الإيمان بالله والاقتداء برسوله الأعظم وأصحابه في نيل العلوم الروحية والبدنية والفلسفية. لم يحتاجوا أكثر من قليل من الطموح والرغبة في تطوير الذات ومشاركة المجتمع في صنع مستقبله. في المقابل لم يحتج النائمون سوى الى الاستيقاظ.
 
يا هؤلاء.

دَفْعُ الثمن لا يكون عبر الانتقام، وزرع أوهام جديدة تعتري جيلا كاملا جديدا، تُخَدِّرُه لفترة قرن قادم من الزمن لن يفيق منه إلا وهو يعيش في القرون الماضية ليعيد نسخ التاريخ الذي ظلموه وظلموا انفسهم فيه. نعم. لم تصحوا بعد يا هؤلاء. لا زلتم نائمين. لم تصحوا بعد. وإنما تُعِدّون لفترة "أهل كهف" جديدة لا لسبب سوى إقصاء الأنظار عن فشلكم، وفشل أسيادكم وآبائكم وأجدادكم، وإلباس ذنبكم لمن سبقوكم في الزمن وقطعوا أشواطا من شق بحور العلم والتنوّر. ما هكذا تورد الإبل.
 
وبقدرة قادر وبالخلو من أبسط مبادئ الفهم السياسي والوعي الثقافي والالمام بالتاريخ، يصبح المدبِّر والمخطِّط لهذه الحرب العقدية التي بدأت في عشرينات القرن الماضي، بحسب تحليل أحدهم، واستمرت لغاية 14 فبراير إلى ان فضحتها الحكومة الخليفية الرشيدة، أصبح المدبر والمخطط لهذه الحرب هو الولي الفقيه الذي لم يمض على تأسيس نظريته سوى ثلاثين عاما ونيف! سبحان الله. ولد المخطَّط قبل ولادة المدبِّر.
 
ألم يكن أول معتقل بعد الرابع عشر سني؟ محمد البوفلاسة؟ ألم يكن أول معتقل بعد السادس عشر سني؟ ابراهيم شريف؟ ألم ترتقي فوزية السندي منصة الدوار؟ كيف لعقل أن يصدق أن الثورة التي قادها اثنين من الطائفة السنية هي مؤامرة شيعية عقدية إيرانية تم التخطيط لها على مدى قرن من الزمن؟ أفيقوا. بما أنكم يا سنة البحرين الموالين تدَّعون أن المارد السني صحا من بعد غفلة وأفاق من سباته، نقول لكم أفيقوا من صحوتكم! ما هكذا تورد الإبل.
 
ما لكم لا تديرون عقلا؟ أَفِعْلاً هضمتم تهمة" الذهاب الى الدوار"؟ أحقاً بَلَعْتم تهمة "كره النظام"؟ أيجوز للحكومة فصل الآلاف بسبب كونهم معارضين أو شيعة؟ أيحِلُّ للحكومة تعذيب المواطنين حتى الموت بسبب انتمائهم المذهبي؟ أتصدقون خرافة إيران؟ كَذَّبَت الحكومة قضايا التعذيب حتى الموت فأثبتتها وثبتتها اللجنة الملكية لتقصي الحقائق. كَذَّبَت الأفواه الحكومية الاعتقالات غير القانونية وثبتتها اللجنة. كَذَّبَت الأفواه الحكومية الناعقة هدم بيوت الله وثبتتها اللجنة. كَذَّبَت الأفواه الحكومية انحياز الاعلام المحلي وتبعيته الكاملة للسلطة وثبتتها اللجنة. كَذَّبَت الأفواه الحكومية إيقاف البعثات الدراسية عن الطلاب الشيعة وثبتتها اللجنة. كَذَّبَت الحكومة استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين وثبتتها اللجنة. ادعت الحكومة تبعية الحركة المطلبية لإيران ونفتها اللجنة. كَذَّبَت الحكومة قصص ضرب وتعذيب وإهانة المعتقلين وثبتتها اللجنة. كَذَّبَت الحكومة الادعاءات بإهانة المذهب الشيعي وثبتتها اللجنة. كَذَّبَت الحكومة الادعاءات بعدم قانونية الاعتقالات والايقافات والمحاكمات وثبتتها اللجنة. كَذَّبَت الحكومة قضايا الفصل التعسفي من الأعمال وثبتتها اللجنة. كَذَّبَت الحكومة قصص الاعتداء على الصحفيين وثبتتها اللجنة.
 
ماذا تنتظرون بالله عليكم؟ أفيقوا. أفيقوا. 

أختم بحادثة اقتحام قوات الأمن وأفراد الأمن الوطني لإحدى وزارات الدولة في فترة السلامة الوطنية. هي حادثة إذا ما قورنت بالمآسي التي ذكرها السيد بسيوني في تقريره (ملحق دعاوى التعذيب الذي يحوي ٦٠ قضية تعذيب وسوء معاملة) تكاد لا تُذكر، إلا أني أسرد بعض أحداثها لكونها حصلت في مؤسسة حكومية، وعلى مرأى ومسمع من الإدارة والإخوة والأخوات السنة وهم يتبسّمون ضاحكين.
 
اقتحمت قوات الأمن المبنى. وتبعها أفرادٌ مدنيون مسلحون ترافقهم كلابا بوليسية. كان جميعهم ملثمون. كانت لديهم قائمة بأسماء الموظفين. نادوا عليهم بالاسم. أمروهم بترك هواتفهم النقالة والاصطفاف عند الجدار. وجوههم تقابل الجدار. عصبوا أعينهم. كان عدد الموظفين ستة عشر. طُلب من الموظفين السنة الجلوس والتفرج. ظل اثنان من الملثمين قي الطابق. كانا سمينين. احدهم غامق البشرة. كلاهما بحرينيان. أخذا كلابهما البوليسية في جولة على الغرف. تفاجأ بعد ذلك الموظفون بالصفعات تأتيهم من الخلف على وجوههم وآذانهم. تكرر الصفع مرارا. خُصصت إحدى الغرف المغلقة للاستجواب. رُفعت عصابات الأعين ليشهد الموظفون ما يحدث لزملائهم. أخذ الملثمان يناديان على الموظفين الواحد تلو الآخر. كان الموظف يدخل غرفة الاستجواب نظيفا مهندما أنيقا ويخرج بدمائه وبثياب ممزقة وشعر منكوش، وآثار الضرب على جسده والتعب على محياه. تم تفتيش الهواتف النقالة والكمبيوترات. يا ويل من وضع صورة للدوار أو للسيد حسن نصرالله على خلفية هاتفه النقال الخاص. جولة الضرب والإهانات مضاعفة. 
 
لاحظ معي أخي القارئ أن هذه الأحداث تدور في إحدى وزارات الدولة!
 
أحد الموظفين كان كبيرا في السن. بقي له أربع أو خمس سنين حتى سن التقاعد. دخل غرفة الاستجواب بثوبه وغترته وعقاله. خرج منها وهو يُجَرُّ من رقبته بعقاله تقوده إحدى الشرطيات. طُلب من رجل آخر أن يصرخ "امبااااع" مقلدا صوت الخراف. قال له الحيوان الملثم "سأنزل على السلم وأريد أن أسمع صوتك وأن تقول امبااااع". علم الحيوانان أن إحدى الموظفات السنة متزوجة من رجل شيعي. نادوها. تمت إهانتها وسبها وشتمها وضربها فقط لأن زوجها شيعي. وُضعت العصابات مرة أخرى على الأعين. تكرر الضرب والصفعات على الوجوه والظهور. تُرك الموظفون واقفين على أرجلهم يتلقون الصفعات من الساعة التاسعة والنصف صباحا وحتى الثالثة عصرا. بعدها أُخلي سبيل البعض واعتقل البعض الآخر. في التوقيف كانت إحدى الشرطيات تلكم وتضرب وتصفع الموظفات وتصرخ "ليش انتو أحلى؟"!
 
هذا في الوقت الذي كان فيه زملائهم السنة يتفرجون ويتبسمون. أهكذا تورد الإبل؟

No comments:

Post a Comment